Saturday, 28 May 2022

Ibn Qayyim's argument against atheism and the necessity of Allah's existence in his "Miftaah Daar al-Sa'aadah"

 

 
 
Here page 63:




 
 




فمن ذا الذي تولى ذلك كله وأحكمه ودبره وقدره أحسن تقدير ؟! 
وكأني بك أيها المسكين تقول "هذا كله من فعل الطبيعة وفي الطبيعة عجائب وأسرار"
 فلو أراد الله أن يهديك لسألت نفسك بنفسك وقلت "أخبريني عن هذه الطبيعة أهي ذات قائمة بنفسها لها علم وقدرة على هذه الأفعال العجيبة أم ليست كذلك بل عرض وصفة قائمة بالمطبوع تابعة له محمولة فيه؟"
 فإن قالت لك "بل هي ذات قائمة بنفسها لها العلم التام والقدرة والإرادة والحكمة" فقل لها 
"هذا هو الخالق البارئ المصور فلم تسمينه طبيعية ويا لله من ذكر الطبائع ومن يرغب فيها فهلا سميته بما سمى به نفسه على ألسن رسله ودخلت في جملة العقلاء والسعداء فإن هذا الذي وصفت به الطبيعة صفته تعالى"
 
 وإن قالت تلك "بل الطبيعة عرض محمول مفتقر الى حامل وهذا كله فعلها بغير علم منها ولا إرادة ولا قدرة ولا شعور أصلا وقد شوهد من آثارها ما شوهد" فقل لها
 "هذا مالا يصدقه ذو عقل سليم كيف تصدر هذه الأفعال العجيبة والحكم الدقيقة التي تعجز عقول العقلاء عن معرفتها وعن القدرة عليها ممن لا عقل له ولا قدرة ولا حكمة ولا شعور وهل التصديق بمثل هذا إلا دخول في سلك المجانين والمبرسمين؟" ثم قل لها بعد "ولو ثبت لك ما ادعيت فمعلوم أن مثل هذه الصفة ليست بخالقة لنفسها ولا مبدعة لذاتها فمن ربها ومبدعها وخالقها ومن طبعها وجعلها تفعل ذلك فهي إذا من أدل الدلائل على بارئها وفاطرها وكمال قدرته وعلمه وحكمته فلم يجد عليك تعطيلك رب العالم وجحدك لصفاته وأفعاله إلا مخالفتك العقل والفطرة ولو حاكمناك الى الطبيعة لرأيناك انك خارج عن موجبها فلا أنت مع موجب العقل ولا الفطرة ولا الطبيعة ولا الإنسانية أصلا وكفى بذلك جهلا وضلالا "
فإن رجعت إلى العقل وقلت لا يوجد حكمة إلا من حكيم قادر عليم ولا تدبيرمتقن إلا من صانع قادر مختار مدبر عليم بما يريد قادر عليه لا يعجزه ولا يؤؤده قيل لك فإذا أقررت - ويحك- بالخلاق العظيم الذي لا إله غيره ولا رب سواه فدع تسميته طبيعة أوعقلا فعالا او موجبا بذاته وقل هذا هو الله الخالق البارئ المصور رب العالمين وقيوم السموات والأرضين ورب المشارق والمغارب الذي أحسن كل شيء خلقه وأتقن ما صنع فمالك جحدت أسماءه وصفاته وذاته أضفت صنيعه الى غيره وخلقه الى سواه مع أنك مضطر الى الإقرار به إضافة الابداع والخلق والربوبية والتدبير إليه ولا بد والحمد لله رب العالمين
على أنك لو تأملت قولك طبيعة ومعنى هذه اللفظة لدلك على الخالق الباريء لفظها كما دل العقول عليه معناها لأن طبيعة فعيلة بمعنى مفعولة أي مطبوعة ولا يحتمل غيرهذا البتة لأنها على بناء الغرائز التي ركبت في الجسم ووضعت فيه كالسجية والغريزة والبحيرة والسليقة والطبيعة فهي التي طبع عليها الحيوان وطبعت فيه ومعلوم ان طبيعة من غير طابع لها محال فقد دل لفظ الطبيعة على البارئ تعالى كما دل معناها عليه والمسلمون يقولون إن الطبيعة خلق من خلق الله مسخر مربوب وهي سنته في خليقته التي أجراها عليه ثم إنه يتصرف فيها كيف شاء وكما شاء فيسلبها تأثيرها إذا اراد ويقلب تأثيرها إلى ضده إذا شاء ليرى عباده أنه وحده الخالق البارئ المصور وأنه يخلق ما يشاء كما يشاء وإِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ وإن الطبيعة التي انتهى نظر الخفافيش اليها إنما هي خلق من خلقه بمنزلة سائر ملخوقاته فكيف يحسن بمن له حظ من إنسانية أوعقل أن ينسى من طبعها وخلقها ويحيل الصنع والابداع عليها ولم يزل الله سبحانه يسلبها قوتها ويحيلها ويقلبها الى ضد ما جعلت له حتى يرى عباده أنها خلقه وصنعه مسخرة بأمره أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
فصل
فأعد النظر في نفسك وتأمل حكمة اللطيف الخبير في تركيب البدن

No comments:

Post a Comment